• تصغير
  • تكبير

الكلمة الإفتتاحية لرئيس المجلس السيد أحمد حرزني

بسم الله الرحمن الرحيم

السادة الوزراء

السيد والي المظالم

السيدات والسادة الأعضاء

حضرات السيدات والسادة

يشرفني مرة أخرى بمناسبة افتتاح الاجتماع الثاني والثلاثين للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان أن أرحب بالجميع متمنيا كامل النجاح والتوفيق لأشغاله.

ينعقد اجتماعنا هذا في خضم الاحتفالات بالذكرى الستين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تحت شعار “الكرامة والعدالة للجميع”، والتي شارك فيها المجلس بتنظيم عدة أنشطة، بشكل منفرد أو بالتعاون مع جهات حكومية أو غير حكومية، تميزت بتوجيه رسالة ملكية سامية جددت التأكيد على مواصلة انخراط المملكة المغربية في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، من خلال الإعلان عن رفع التحفظات عن الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، والمصادقة على الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص في وضعية إعاقة. ولقد تجلت الأهمية القصوى التي أولاها المجلس للاحتفال بهذه الذكرى في تنظيم أنشطة ذات دلالات قوية، تناولت مواضيع وقضايا مرتبطة بحقوق الإنسان في مختلف أبعادها، ومن منطلق انشغالات المجلس كمؤسسة وطنية. وتميزت تلك الأنشطة بالتنوع من حيث الأطراف المشاركة أو المتعاونة، والتي تمثلت في فعاليات حكومية وبرلمانية وجامعات ومنظمات غير حكومية وخبراء وطنيون ودوليون، الأمر الذي شكل مناسبة أخرى لإثارة وتعزيز النقاش الوطني العمومي حول قضايا تندرج بالضرورة ضمن مسارات تعزيز نظام حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، والرفع من مستوى مرافقة البناء الديمقراطي ببلادنا. ومما يؤكد ذلك تنوع المواضيع المتناولة، والتي عالجت قضايا تحتل مكانة متميزة في الفضاء العمومي الوطني وذات الارتباط بالتطور المجتمعي، وطرحها لإشكالات حقوقية تستوجب إدراجها ضمن أجندة مختلف الفاعلين في الحقل الحقوقي. ومن بينها على سبيل الذكر لا الحصر، ظاهرة الاحتجاج ومواضيع ذات صلة بالإرهاب وحقوق الإنسان والتعذيب وحقوق الإنسان بين الكونية والخصوصيات، والدفاع عن الحقوق والحريات الأساسية للمغاربة المحتجزين بتيندوف.

حضرات السيدات والسادة

يتضمن جدول أعمالنا اليوم مناقشة والمصادقة على التقرير السنوي عن حالة حقوق الإنسان وحصيلة عمل المجلس برسم سنة 2008. وإذا كنا قد حرصنا وتوفقنا هذه السنة، ولأول مرة، في احترام آجال إعداده، فإننا، وفي إطار تقييم أداء المجلس في هذا المجال بغاية تحسينه والرفع من مستواه، سنفتح ورشا لمناقشة منهجية وطريقة إعداد هذا التقرير باعتباره يعد تفعيلا لأحدى الصلاحيات المهمة التي أناطها بالمجلس الظهير الشريف المتعلق بإعادة تنظيمه، ولكونه كذلك أداة مهمة لرصد أوضاع حقوق الإنسان وتقييم السياسات العمومية في المجال، وتقديم التوصيات والاقتراحات الكفيلة بمواصلة تحسين تلك الأوضاع.

وفي مجال آخر، وتفعيلا لصلاحية دراسة التشريعات الوطنية لملاءمتها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، انكب المجلس، منذ مدة، على دراسة مشروع القانون الجنائي من قبل لجنة موسعة، مكونة من أعضاء من سائر مجموعات العمل، تشرف على العمل الذي يقوم به فريق من الخبراء كلف بهذه المهمة. ويتوخى هذا العمل مراجعة ودراسة المشروع في ضوء ضرورات تحديث السياسة الجنائية المغربية في مجالي التجريم والعقاب، وكذا ضمان ملاءمة مقتضيات القانون الجنائي مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان بشكل عام، وضمان تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة بخصوص تجريم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتأهيل السياسة والتشريع الجنائيين بشكل خاص. وإذ يسرني أن أخبركم بأن الفريق المذكور سينهي إنجاز هذا العمل في نهاية الشهر المقبل، فإننا واعون بضرورة استكمال دراسة وملاءمة كل المنظومة الجنائية الوطنية، بما فيها قانون المسطرة الجنائية، مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، حيث نعتبر أن النجاح في إنجاز هذا المشروع الضخم يعد لا محالة أحد المؤشرات الأساسية لمدى قياس الجهود التي تقوم بها مؤسستنا في مجال الملاءمة.

حضرات السيدات والسادة

يعمل المجلس، في مجال حماية حقوق الإنسان والتصدي للانتهاكات، من خلال مجموعة العمل المعنية، على تطوير منهجية وطريقة رصد الانتهاكات ومعالجة الشكايات. وفي هذا الصدد تم إعداد دليل، نعرضه عليكم اليوم، يخص تنظيم زيارات السجون وأماكن الاحتجاز، وذلك بمراعاة التجربة والخبرة التي راكمها المجلس في المجال، وكذا مختلف التجارب العالمية. وفي إطار دعم سياسة القرب التي انتهجها المجلس، عمل مؤخرا على فتح مكتب إداري جهوي بالمنطقة الشرقية، من ضمن مهامه المساعدة على الرفع من أداء المؤسسة في مجال الحماية بتعاون وثيق مع الفعاليات الحقوقية المحلية.

لقد سبق أن أعلنا عن انكباب المجلس على إعداد مشروع ميثاق وطني لحقوق وواجبات المواطن، وفق إطار مرجعي يعتمد منطلقات حقوقية، ويسعدني أن أخبركم اليوم أننا توصلنا إلى اعتماد صيغة متقدمة للمشروع، بفضل الجهود المبذولة من طرف كافة أعضاء مجموعة العمل المعنية، وكل من شارك في أشغالها الخاصة بالموضوع من بين أعضاء المجلس. كما سنحرص على فتح نقاش داخلي موسع حولها في أقرب وقت ممكن.

وفي إطار قيامه بدوره المتعلق بالخطة الوطنية حول حقوق الإنسان والديمقراطية، أفضت مجهودات المجلس المرتبطة بتنسيق العمل في الموضوع إلى تيسير تشكيل وتنصيب لجنة الإشراف الوطنية على إعداد هذه الخطة، بتعاون مع الحكومة، علما أن اللجنة المذكورة شرعت في عقد اجتماعاتها الأولى بعد وضع هيكلتها الداخلية. وسيحرص المجلس على توفير الدعم اللازم لها حتى تنهي إعداد هذا المشروع الوطني الهام في الآجال المحددة بإذن الله.

وفي موضوع ذي صلة، تجدر الإشارة إلى أنه يتم وضع الترتيبات اللازمة لتفعيل مقتضيات الأرضية المواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان، ونوصي بإلحاح على أن تعمل لجنة الإشراف على إعداد الخطة الوطنية المذكورة سابقا على تأمين إيجاد كافة الصيغ المناسبة للتنسيق بين هذين المشروعين المهيكلين في مجال حقوق الإنسان.

حضرات السيدات والسادة

لقد جعلنا، في برنامج عملنا لسنة 2008، من بين أهدافنا الأساسية إتمام العمل المتعلق بمتابعة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة. وينبغي أن نسجل في هذا الصدد التقدم المحرز سواء فيما يخص جبر الضرر الفردي، حيث تم تنفيذ كافة المقررات التحكيمية القاضية بالتعويض المالي، باستثناء حالات معدودة يرجع عدم تنفيذها إلى أسباب خارجة عن إرادة المجلس، أو متابعة تفعيل باقي التوصيات المتعلقة بأشكال جبر الضرر الأخرى مع الجهات المعنية. كما تم تحقيق تقدم ملحوظ على مستوى تفعيل التوصيات المتعلقة بجبر الضرر الجماعي، سواء من حيث استكمال البناء المؤسساتي الكفيل بتنفيذ البرامج، أومن حيث الشروع في وضع المشاريع لتنفيذها بالمناطق المعنية بتلك التوصيات. وفيما يتعلق بالتحريات بخصوص ما تبقى من حـالات عـالقة قليلة تستوجب إجراء تحاليل للحمض النووي، فقد عمل المجلس، بتعاون وثيق مع مختبري الدرك الملكي والشرطة العلمية، على التعاقد مع مختبر دولي ذي تجربة متميزة في هذا المجال، مع تحديد آجال معقولة لإنجاز ذلك.

وبخصوص التوصيات التي تهم الإصلاحات المؤسساتية والتشريعية، فبالإضافة إلى انكباب المجلس على دراسة مشروع القانون الجنائي كما سبق ذكره، يسعدنا أن نعرض عليكم اليوم مشروع مذكرة تم إعدادها من قبل لجنة مكونة من خبراء من داخل المجلس ومن خارجه، تتضمن اقتراحات المجلس الرامية إلى تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة المتعلقة بتأهيل العدالة وتقوية استقلال القضاء.

كما يقوم المجلس، حاليا، بإجراء حوار ومشاورات مع الجهات المعنية حول تفعيل توصيات الهيئة في موضوع الحكامة الأمنية، وكذا حول توفير شروط وظروف الانضمام إلى البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، حيث شهدت هذه القاعة خلال بداية هذا الشهر نقاشا وطنيا بمشاركة خبراء دوليين في الموضوع.

حضرات السيدات والسادة

إن انشغال المجلس على الصعيد الوطني بالعديد من الأوراش والأنشطة المهمة، لم يمنعه من مواصلة تعزيز علاقات التعاون والانفتاح على أطراف وفاعلين آخرين على المستوى الدولي، سواء داخل منظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أو داخل عائلة المؤسسات الوطنية عبر العالم والجهات. وفي هذا الصدد شرعنا في التحضير للندوة السابعة للمؤسسات الوطنية الإفريقية لحقوق الإنسان التي ستحتضنها بلادنا في شهر أكتوبر المقبل إن شاء الله. ولا يفوتنا التذكير بأن المجلس سيتولى، بعد انعقاد هذه الندوة، رئاسة الشبكة الإفريقية لمؤسسات حقوق الإنسان. كما سيشارك المجلس، في غضون شهر مارس المقبل، في اللقاء الخامس للمؤسسات الوطنية العربية لحقوق الإنسان وفي اللقاء السنوي للجنة التنسيق الدولية للمؤسسات الوطنية. ويواصل المجلس كذلك الاستجابة لطلبات وفود أجنبية، حكومية وغير حكومية، تود الاطلاع على تجربة المجلس والوقوف عند منجزاته.

حضرات السيدات والسادة

قبل اختتام كلمتي الافتتاحية، لا يفوتني أن أذكر، وفي علاقة مباشرة بما ورد في الرسالة الملكية السامية بخصوص الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والبيئية، أن المجلس قد قام بعقد اتفاقية تعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لإجراء تشخيص في الموضوع يعتمد منطلقات حقوقية.

شكرا على حسن إصغائكم، وأتمنى لأشغال اجتماعنا هذا كامل التوفيق لما فيه خير بلادنا وتعزيز مسارات النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

رئيس المجلس
أحمد حرزني

أعلى الصفحة