حصيلة مؤتمر بيجين لحقوق المرأة : تحدي تغيير العقليات وتكريس المحاسبة
لعل القاسم المشترك بين جل المداخلات والنقاشات التي عرفها المنتدى الموضوعاتي حول تقييم إعمال حقوق المرأة بعد عشرين سنة من مؤتمر بجين حول المرأة، في إطار فعاليات المنتدى العالمي لحقوق الإنسان (مراكش، 27-30 نونبر 2014) هو أن الآمال التي فتحها المؤتمر والتقدمات التي سمح بها لا يمكن أن تحجب التحديات والإشكالات التي مازالت تعيق بشكل كبير حماية حقوق المرأة والنهوض بها.
وقد شددت العديد من المداخلات في هذا اللقاء، الذي احتضنته قرية المنتدى يوم الجمعة 28 نونبر ونظمه كل من تحالف المساواة دون تحفظ، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، منظمة التضامن النسائي للتعلّم (WLP)، هيئة الأمم المتحدة للمرأة، على أن النهوض الفعلي بحقوق المرأة يمر أساسا بضرورة انبثاق "اتفاق مجتمعي وسياسي وفكري حول مبدأ المساواة"، اتفاق لا يتأثر بالظروف ولا المتغيرات السياسية ويسمح بـ" إعادة تنظيم المنظومة المجتمعية وتغيير العقليات"، هذا فضلا عن ضرورة تعزيز المحاسبة عن الانتهاكات التي تطال النساء.
وكانت منظمة الأمم المتحدة قد عقدت، من 4 إلى 15 شتنبر 1995 في بكين (بيجين)، الصين،المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة، تحت شعار "العمل من أجل المساواة والتنمية والسلام". وتوج المؤتمر بإعلان ومنهاج عمل بيجين الذي يحدد أهدافا استراتيجية لحماية حقوق المرأة والنهوض بأوضاعها من خلال التركيز على : تعليم المرأة، تنميتها اقتصاديا، محاربة العنف الممارس عليها، صون حقوق المرأة خلال النزاعات المسلحة، تشجيع مشاركة المرأة في صنع القرار، الآليات المؤسسية للنهوض بالمرأة، تحسين صورة المرأة في وسائل الإعلام، المرأة والبيئة والطفلة... وتخصص سنة 2015 لإجراء مسلسل تقييمي هدفه الوقوف حصيلة منجزات الدول في ما يخص منهاج عمل بجين.
وشدد إعلان بيجين على "أن النهوض بالمرأة وتحقيق المساواة بينها والرجل هما مسألة متصلة بحقوق الإنسان وشرط للعدالة الاجتماعية وينبغي أﻻ ينظر إليهما بشكل منعزل على أنهما من المسائل الخاصة بالمرأة. فهي السبيل الوحيد لبناء مجتمع قابل للاستمرار وعادل ومتقدم. وتمكين المرأة وتحقيق المساواة بينها والرجل شرطان أساسيان لتحقيق اﻷمن السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي لدى جميع الشعوب".
لقد توقفت جل المداخلات عند حصيلة إنجازات الدول في مجال إعمال حقوق المرأة على ضوء إعلان ومنهاج بيجين. وفي هذا الصدد تمت الإشارة إلى أن الجوانب الإيجابية من هذه الحصيلة تهم تمكن عدد مهم من الدول من إزالة التمييز من تشريعاتها وتحفيز المساواة بين الجنسين، ارتفاع نسب تمدرس الفتيات، نمو مشاركة المرأة في سوق العمل (علما أن المنطقة العربية، كما أشارت إلى ذلك بعض التدخلات، تظل الأقل تقدما في مجال التمكين الاقتصادي للمرأة، حيث تعاني المرأة أكثر من البطالة)، نمو المشاركة للسياسية المرأة وحصول تطور في مجال المعايير الدولية الخاصة بالمرأة والسلم والأمن.
في المقابل سلط المشاركون من خبراء ومدافعات ومدافعين عن حقوق المرأة على استمرار التمييز بين الجنسين (أعراف تمييزية متأصلة في العديد من المجتمعات) مبرزين أن التطور الذي تحقق في في مجال تعليم المرأة لا يكون له دائما انعكاس مباشر على ولوجها لسوق العمل، ، فضلا عن استمرار ارتفاع نسبة وفايات الأمهات عند الولادة.
وذهبت بعض المداخلات إلى اعتبار أنه إذا "كان هناك تطور على المستوى التعليم والوضع الصحي للمرأة فإن ذلك لم يرافقه تطور في نفس المستوى على صعيد مشاركة النساء سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي، بل يسجل في بعض الدول تراجع عن عدد من المكتسبات (عودة الأمية، تردي الوضع الصحي، تنامي الاتجار في البشر).
وقد أعرب المتدخلون عن جملة من التوصيات من أجل إعطاء نفس جديد لمنهاج بجيبن بما يكفل إعمال حقوق النساء، منها :
- ضرورة تعزيز مبدأ المحاسبة والتصدي للإفلات من العقاب في جرائم العنف ضد النساء،
- الوصول إلى النساء الأكثر هشاشة وتضررا من عدم المساواة خاصة في حالات تظافر عوامل التمييز
- سد الفجوة بين القوانين والسياسات وبين تمتع المرأة الفعلي بالحقوق
- تحسيس النساء اللواتي يصلن لمناصب المسؤولية بقضايا النوع وحقوق المرأة
- منع تسجيل تحفظات تمس مبادئ جوهرية من اتفاقية محاربة التمييز ضد المرأة (سيداو)
- ضمان الالتقائية بين منظومة التنمية ومنظومة حقوق الإنسان خاصة في مجال التعليم والصحة