المجلس الوطني لحقوق الإنسان يبرز بالعاصمة التونسية التجربة المغربية في مجال العدالة الانتقالية
مثل السيد حميد الكام، مستشار لدى رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، المجلس الوطني لحقوق الإنسان في يوم دراسي حول الانتقال الديمقراطي نظمته مؤسسة "كونراد اديناور" الألمانية وكرسي اليونسكو للدراسات المقارنة للأديان بالجامعة التونسية، وذلك بمدينة تونس في 15 أبريل 2011.واستهل السيد الكام كلمته بالتعريف بمفهوم العدالة الانتقالية، التي اعتبرها محاولة لتطبيق أشكال من العدالة ملائمة لمراحل الانتقال أو مراحل في حياة نظام سياسي أو مجتمع معينين، مؤكدا على ضرورة توفر إرادة سياسية حقيقية متفاعلة مع إرادة المجتمع والمؤسسات وفعاليات المجتمع المدني لنجاح أي تجربة انتقالية كيفما كان نوعها، مشيرا إلى أنه لا يمكن أن نسقط على أي بلد تجربة بلد آخر كيفما كانت نماذج التغيير، فلكل تجربة خصوصياتها التي تنبع من واقع تفاعلات سياسية طبقية واجتماعية وثقافية داخل المجتمع.
يوم دراسي حول الانتقال الديمقراطي نظمته مؤسسة "كونراد اديناور" الألمانية وكرسي اليونسكو للدراسات المقارنة للأديان بالجامعة التونسية
وبعد تطرق ممثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى المكونات الخمس الأساسية للعدالة الانتقالية، التي لخصها في المسائلة والمحاسبة، معرفة حقيقة الانتهاكات وحقيقة المسؤوليات، جبر الأضرار الفردية منها والجماعية وتعويض الضحايا، المصالحة (السياسية والاجتماعية أساسا) والإصلاحات الكفيلة بضمان عدم تكرار ما جرى من انتهاكات، انتقل السيد الكام إلى استعراض مقومات ومكونات التجربة المغربية في مجال العدالة الانتقالية، من خلال عرض تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة.
وفي هذا الإطار، أبرز السيد الكام أن هيئة الإنصاف والمصالحة، باعتبارها آلية للعدالة الانتقالية، ثمرة تطور تدريجي صعب ومركب في حل المشاكل والملفات المرتبطة بماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ومحصلة نضالات وصراعات ومناقشات على مستوى الطبقة السياسية وكل القوى الفاعلة في المجتمع المدني، للبحث عن أحسن السبل لتسوية نزاعات الماضي وحلها بشكل عادل ومنصف.
وقد تأسست هذه الهئية، يضيف السيد الكام، بمقتضى قرار ملكي صادر في 6 نونبر 2003، بناء على توصية من المجلس الوطني لحقوق الإنسان (المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان آنذاك)، لتقوم بالتقييم والبحث والتحري والتحكيم والاقتراح فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي حصلت خلال الفترة الممتدة ما بين 1956 و1999، تاريخ إحداث هيئة التحكيم المستقلة لتعويض ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي.
وقد أضاف السيد الكام أن هيئة الإنصاف والمصالحة اهتمت خلال ولايتها بكل الانتهاكات الجسيمة ذات الطابع المكثف والممنهج والتي تكون فيها مسؤولية الدولة واضحة، متوخية في ذلك المساهمة في تعزيز أسس المصالحة الشاملة.
وعاد السيد الكام في آخر كلمته إلى التذكير بالأهداف الإستراتيجية لهيئة الإنصاف والمصالحة التي تهم (1) إثبات نوعية و مدى جسامة الانتهاكات الماضية لحقوق الإنسان، من خلال مواصلة البحث بشأن حالات الاختفاء القسري التي لم يعرف بعد مصيرها والتحري بشأن الوقائع التي لم يتم استجلاؤها والكشف عن مصير المختفين والعمل على إيجاد الحلول الملائمة بالنسبة للحالات التي يثبت أن أصحابها توفوا والوقوف على مسؤوليات أجهزة الدولة أو غيرها من الجهات الأخرى في الانتهاكات والوقائع موضوع التحريات، (2) جبر الأضرار وإنصاف الضحايا، من خلال التعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت الضحايا أو ذوي حقوقهم وتقديم مقترحات وتوصيات لحل قضايا التأهيل النفسي والصحي والإدماج الاجتماعي واستكمال مسلسل حل ما تبقى من المشاكل الإدارية والوظيفية والقانونية والقضايا المتعلقة بنزع الممتلكات، (3) إعداد تقرير نهائي يتضمن توصيات ومقترحات كفيلة بحفظ الذاكرة وضمان عدم تكرار ما جرى ومحو آثار الانتهاكات واسترجاع الثقة وتقويتها في حكم القانون واحترام حقوق الإنسان و(4) إطلاق دينامية الحوار والتفكير الجماعي حول مقومات المصالحة والنهوض بحقوق الإنسان، من خلال المساهمة في إشاعة قيم وثقافة حقوق الإنسان والمواطنة والعمل على تنمية سلوك الحوار بين المجتمع والدولة وإرساء مقومات المصالحة بين الضحايا وتاريخهم عبر إسماع صوتهم ومعاناتهم وإنشاء مركز أو مراكز لحفظ الذاكرة.
وخلص السيد الكام إلى أن التجربة المغربية في مجال العدالة الانتقالية مدعوة إلى رفع جملة من التحديات من أبرزها الإسهام في تأسيس مجتمع ديمقراطي متشبع بقيم حقوق الإنسان وبقيم ومبادئ الديمقراطية والمساواة واستدماج أبعاد النوع الاجتماعي ومأسسته، الإعمال الفعلي لخارطة طريق الإصلاحات والتأسيس الدستوري لضمانات عدم التكرار وكذا مأسسة وتخطيط سياسة التأثير الثقافي وتغيير السلوك المجتمعي من منظور حقوق الإنسان من خلال اعتماد مرجعية حقوق الإنسان كمبدأ وموجه للسياسة العمومية.