• تصغير
  • تكبير

الكلمة الإفتتاحية لرئيس المجلس السيد أحمد حرزني

بسم الله الرحمن الرحيم

السادة الوزراء،

السيد والي المظالم،

السيدات والسادة الأعضاء،

حضرات السيدات والسادة،

اسمحوا لي أولا أن أجدد، باسم المجلس، تهانئي للسيدين وزيري العدل والداخلية بالثقة التي وضعها فيهما صاحب الجلالة نصره الله آملا لهما التوفيق في مهامهما.

ويسعدني أن أرحب بكم جميعا، بمناسبة افتتاح الاجتماع الخامس والثلاثين لمجلسنا، وهو الأول في سنة 2010، متمنيا النجاح لأشغالنا التي ستتوج، ولا شك، بنتائج سيكون لها الأثر الإيجابي على دور مؤسستنا في تطوير حقوق الإنسان والنهوض بها في بلادنا.

ينعقد اجتماعنا هذا عشية انطلاق فعاليات تخليدنا للذكرى العشرين لتأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، كمؤسسة وطنية من أقدم المؤسسات في إفريقيا والعالم الإسلامي، شَكل إحداثها دفعا للإصلاحات التي عرفها المغرب، في مجال البناء الديمقراطي وفي المجال الحقوقي، واليوم وبعد استكمال تحقيق جل الأهداف الاستراتيجية للعدالة الانتقالية، فإن المجلس قد دخل مرحلة جديدة سمتها الحرص على مواكبة الإصلاحات المهيكلة الجارية في البلاد والتي من أهمها:

إصلاح القضاء والذي قدم المجلس بخصوصه، في إطار متابعة تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، مذكرة حضيت بالموافقة الملكية؛

تحديث المنظومة الجنائية،التي حرص المجلس، في نطاق اختصاصاته المتصلة بالملاءمة، على إنجاز دراسة معمقة بصددها، همت القانون الجنائي، وهو الآن منكب على إنجاز دراسة حول ملاءمة قانون المسطرة الجنائية، كما يتابع المجلس باهتمام كبير الورش المفتوح حديثا حول موضوع الجهوية، لما له من صلة وثيقة بمسلسل البناء الديمقراطي وبخلق أحسن الظروف لتكثيف والتسريع بعملية التنمية.

وبنفس الاهتمام يتابع المجلس المخاض الذي سيفضي قريبا، إن شاء الله، إلى قيام المجلس الإقتصادي والاجتماعي، الذي نتطلع إليه كفضاء لحوار اجتماعي متواصل وإدماجي لا يقصي أية فئات من المجتمع.

من جهة أخرى يسعى المجلس لأن يبلور تصورا متكاملا لمواضيع ذات صلة بتعزيز حكم القانون ولاسيما في مجالي الحكامة الأمنية والصحافة وهما موضوعان سنعمق النقاش فيهما، خلال هذه الدورة، على أساس أن نواصل، في نفس الوقت، الحوار مع كافة المعنيين والمهتمين إلى أن نصل إلى الإجماع الممكن حول الموضوعين.

على مستوى آخر فإن المجلس حريص أيضا على مواكبة أوراش التنمية وذلك بتوصيف وتحديد مضامين الأبعاد الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والبيئية لحقوق الإنسان، حيث يتابع المجلس الحوار العمومي المفتوح حاليا حول البيئة، والذي سيتمخض عن وضع ميثاق وطني للبيئة سيشكل، ولاشك، ركيزة أخرى لصرح حقوق الإنسان في بلادنا، إذ أصبح باديا للعيان أن الحق في بيئة سليمة هو الشرط الأول لتحقق أول حقوق للإنسان ألا وهو الحق في الحياة.

ولضمان نجاح كل هذه الأوراش على المدى البعيد يشرف المجلس على تفعيل مقتضيات الأرضية المواطنة لحقوق الإنسان في مجالات التعليم والتكوين والتكوين المستمر والتحسيس باعتبارها الآليات الحاسمة في التأثير على سلوكيات المواطنين.

حضرات السيدات والسادة

اسمحوا لي أن أُذكر، وإن بشكل مركز، بأهم الأنشطة التي يواصل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان القيام بها منذ الاجتماع الرابع والثلاثين المنعقد في 17 دجنبر الماضي.

فعلى مستوى متابعة تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، قمنا، خلال الأيام الأخيرة من شهر دجنبر الفارط، بإنهاء تقرير خاص تم تقديمه للصحافة الوطنية يوم 14 يناير الماضي. وقد تضمن التقرير المذكور تحديد خصوصيات مسار متابعة تفعيل التوصيات ومجالات التنفيذ وآلياته، ثم ما تحقق في مجال الكشف عن الحقيقة، وفي مجالي جبر الأضرار الفردية والجماعية، وفي مجال الإصلاحات المؤسساتية والتشريعية. ونحن الآن بصدد إصدار الملاحق المفصلة المتعلقة بمختلف أجزاء ذلك التقرير.

وكوننا أصدرنا تقريرا وسنصدر قريبا ملاحقه، فهذا لا يعني أننا نفضنا أيدينا من القضايا العالقة، ولا بالأحرى من البرامج التي تدخل في نطاق متابعة تنفيذ توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة، والتي ما زالت قيد التفعيل.
فكما تذكرون فقد سبق، خلال الدورة الأخيرة، أن اتفقنا على إنشاء وحدة إدارية خاصة بالمساعدة القانونية والطبية لضحايا الانتهاكات الماضية، وسيكون من مهام تلك الوحدة ليس فقط توجيه ومؤازرة أولئك الضحايا، أو متابعة معالجة حالات جبر الأضرار الفردية التي، لسبب أو لآخر، لم تُصف إلى حد الساعة، ولكن أيضا الحفاظ على اليقظة فيما يخص الحالات التسع التي لم نتمكن من الكشف عن الحقيقة بخصوصها.

أما فيما يخص جبر الأضرار الجماعية، فإن الشطر الثاني من هذا البرنامج يوجد اليوم في مراحله الأخيرة وسيتم إبرام عقود الشراكة مع الجمعيات التي وقع عليها الاختيار، طبقا للمعايير المعتمدة، خلال شهر مارس المقبل.

وفي مجال حفظ الذاكرة ودراسة التاريخ الراهن وتنظيم أرشيف المجلس والأرشيف الوطني، فقد أمضينا كما هو معلوم، اتفاقية هامة مع الاتحاد الأوروبي، ونحن الآن بصدد استقطاب الموارد البشرية الضرورية لتدبير مضامين تلك الاتفاقية، وكذا تهيئة البنية التحتية الضرورية للشروع في تنفيذها. وفي الحقيقة فإننا لم ننتظر حتى تكتمل هذه الشروط بل إننا شرعنا فعليا في التنفيذ، إذ بنينا شراكة مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية للرباط أكدال، من أجل الشروع في تدريس مادة التاريخ الراهن على مستوى الماستر، ابتداء من الدخول الجامعي المقبل، واتفقنا مبدئيا مع وزارة الثقافة على التسريع بإيجاد مقر، ولو مؤقت، لمؤسسة الأرشيف الوطني وكذا بمسطرة تعيين مسؤول عن تلك المؤسسة.

بالموازاة مع كل هذا تتواصل جهود المجلس من أجل تكريس سياسة القرب، إذ تم افتتاح مكتبين إداريين جهويين جديدين بكل من ورزازات وبني ملال.

بالنسبة لباقي الأوراش المفتوحة يجدر التنويه بالعمل المشترك الذي تقوم به وزارة العدل بمساعدة المجلس في مجال إعداد خطة وطنية للنهوض بالديمقراطية وحقوق الإنسان. وقد واصلت لجنة الإشراف عقد اجتماعاتها، وخلال الأسبوع الماضي تم تقديم التقارير النهائية للمجموعات الموضوعاتية، ونأمل أن تكون الصيغة الكاملة للخطة جاهزة في متم الشهر المقبل، إن شاء الله، وطبعا ستعرض تلك الصيغة على أنظار كل المهتمين، وسيُعرف بها على نطاق واسع، وبذلك ستكون بلادنا هي الوحيدة المتوفرة على مثل تلك الخطة على امتداد العالمين العربي والإسلامي، والثانية على مستوى حوض البحر الأبيض المتوسط، والفضل في ذلك يرجع إلى كل الشركاء، من حكومة ومجتمع مدني، ومؤسسات وطنية، وجمعيات مهنية وهيآت إعلامية.

أما في مجال التعاون والعلاقات الخارجية للمجلس، فقد واصلنا التفاعل مع مختلف الهيئات الدولية المعنية من منظمات دولية ومؤسسات وطنية مماثلة وجمعيات دولية غير حكومية، حيث شارك المجلس في العديد من اللقاءات واستقبل وفودا أجنبية حكومية وغير حكومية زارت بلادنا من أجل الاطلاع على تجربة المجلس كمؤسسة وطنية لحقوق الإنسان بصفة خاصة وتجربة بلادنا في مجال العدالة الانتقالية بصفة عامة.

وفي هذا الصدد فقد توصلنا مؤخرا بطلبين دالين لزيارة المغرب من هيأتي حقيقة تأسستا حديثا، واحدة في النيبال والثانية في كينيا. وقد قبلنا طبعا طلبيهما وسيزوراننا على الأرجح خلال شهر أبريل المقبل.
كما أن المجلس يواكب كل المواعيد الحقوقية التي تهمه على المستوى الدولي حيث شرعنا في التحضير بشكل مكثف ونوعي لأشغال مجلس حقوق الإنسان في جنيف، التي ستنطلق بعد أيام وستتواصل طيلة شهر مارس الذي سيتخلله أيضا موعدان هامان، الأول هو اجتماع لجنة حقوق الإنسان بنيويورك، والتي يمثلنا فيها السيد الأمين العام، والثاني مؤتمر بيكين + 15، في نيويورك.

حضرات السيدات والسادة

كما سبقت الإشارة إلى ذلك نحن مقبلون على الاحتفال بالذكرى العشرين لتأسيس المجلس، حيث نسعى لنجعل من تلك الذكرى مناسبة للتعبير عن اعتزازنا بالرعاية الشاملة والموصولة لصاحب الجلالة لهذه المؤسسة التي بفضله وبفضل جهود كل مكوناتها، أضحت تحتل مكانة متميزة في المشهد الحقوقي ببلادنا.

وإذ نهيء لتلك الذكرى فإن غرضنا ليس الاحتفال والاحتفاء فقط ولكن أيضا التأمل والتقييم والوقوف عند جوانب القوة وجوانب الضعف في تجربتنا، وإفراز اقتراحات وتصورات من شأنها المساعدة على النهوض بقدرات المجلس في مجالات الدفاع عن حقوق الإنسان ولاسيما ما يتعلق منها برصد الخروقات والتحري بشأنها وتوثيقها، ومساعدة ضحايا الانتهاكات، علاوة على الرفع من قدرات المجتمع المدني في هذا الصدد والنهوض بثقافة حقوق الإنسان. كما ستكون الذكرى أيضا مناسبة لحفظ الذاكرة المؤسساتية للمجلس منذ تأسيسه وعبر أشغاله التي ساهم فيها أعضاء المجلس وأعضاء هيئة التحكيم المستقلة وأعضاء هيئة الإنصاف والمصالحة.

وفقنا الله لما فيه خير بلادنا

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

رئيس المجلس

أحمد حرزني

أعلى الصفحة