كلمة السيد أحمد حرزني رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في افتتاح الاجتماع السابع والعشرين للمجلس
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد مستشار صاحب الجلالة،
السادة الوزراء،
السيد والي المظالم،
السيدات والسادة الأعضاء،
حضرات السيدات والسادة،
يسعدني أن أرحب بكم جميعا في افتتاح هذا الاجتماع السابع والعشرين لمجلسنا متمنيا كامل النجاح والتوفيق في أشغالنا.
إن عقد هذا الاجتماع بعد وفاة فقيدنا العزيز ادريس بنزكري نعتبره هو كذلك مناسبة لتخليد ذكراه العطرة وعربونا على وفائنا لروحه الطاهرة ولمآثره في مجالات حقوق الإنسان والبناء الديموقراطي. كما ينبغي أيضا أن أعبر عن اعتزازي بالثقة المولوية التي حظيت بها بتعييني رئيسا لهذه المؤسسة الشامخة، وبكون هذا التعيين يندرج في سياق الحرص المولوي السامي على ضمان استمرارية عمل المجلس بنفس الدينامية، وضمان حسن سيره، بما يجعله رمزا لدوام دولة الحق والمؤسسات. كما أود التشديد على التزامي بالتوجيهات الملكية النيرة للسهر على النهوض بالمهام المستعجلة وذات الأسبقية، ومنها عقد هذا الاجتماع لانتخاب هياكل وأجهزة المجلس، لمواصلة النهوض على الأوجه الأمثل بالمهام المنوطة به، وخاصة ما يتعلق منها بالإعلان والشروع في أجرأة الاتفاقية المتعلقة بالتغطية الصحية لفائدة ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الماضي، واستكمال جبر الضرر الفردي والشروع في تنفيذ برامج جبر الضرر الجماعي، تفعيلا لتوصية الهيئة السابقة للإنصاف والمصالحة، وسأعمل بمساعدة الجميع، الأعضاء والأمانة العامة والطاقم الإداري والتقني، على السير قدما وبكل ثقة في المكتسبات التي حققتها هذه المؤسسة برآسة المرحوم ادريس بنزكري، والانخراط بكل حزم في تعزيزها، والعمل بشكل خاص على النهوض بالأسبقيات التي جاءت في التوجيهات الملكية السامية والتي تخص اقتراح إحداث لجان وفروع جهوية للمجلس بالمناطق ذات الأولوية لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها عن قرب، وبلورة تصور هذه المؤسسة الموقرة لإقامة المجلس الأعلى للمغاربة المقيمين بالخارج، فضلا عن تفعيل خطة النهوض بثقافة حقوق الإنسان والانكباب على وضع مشروع المواطنة، حقوقا وواجبات. كما سأحرص على جعل جهود كل مكونات المجلس وشركائه تنصهر في بوثقة عمل نضالي منخرط في توطيد دعائم بناء المجتمع الديموقرطي التنموي الحديث، الذي يقوده جلالة الملك حفظه الله بحزم وعزم. وفي هذا الصدد أبلغ أعضاء المجس وأمانته العامة وكافة أطره، سابغ رضا وإشادة واعتزاز جلالته، بإخلاصهم وتفانيهم في تعزيز حقوق الإنسان.
حضرات السيدات والسادة،
بالإضافة إلى الحدث الجلل المذكور، يعتبر اجتماعنا هذا أول اجتماع يعقده المجلس في تركيبته الجديدة في ولايته الثانية بعد إعادة تنظيمه وتوسيع اختصاصاته، بعد عقده لجلسة خاصة لمناقشة مشروع قانون الصحافة والصحفيين المهنيين المحال على المجلس من قبل الوزارة الأولى.
ويتميز هذا الاجتماع بكونه يأتي في سياقات خاصة في مجال حقوق الإنسان والبناء الديموقراطي ببلادنا. فالديناميكية التي خلقتها هيئة الإنصاف والمصالحة وانخراط المجلس في تفعيل توصياتها، ساهم في تعزيز اختصاصات المجلس وكل الهيئات العاملة في مجال حقوق الإنسان، حكومية وغير حكومية، وفي دعم وتطوير المقاربة المبنية على التعاون والتشاور بين كل الأطراف المعنية، من الحكومة ومن المجتمع المدني، لتكثيف الجهود للنهوض بحقوق الإنسان وحمايتها.
ولقد توفق المجلس ولله الحمد، من خلال تفعيل هذه المقاربة، في العمل في إطار شراكات موسعة ومتعددة تستهدف جميعها دعم المكتسبات التي حققتها بلادنا في مجال حقوق الإنسان والبناء الديمقراطي.
حضرات السيدات والسادة،
على إثر تكليف صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله للمجلس بإعداد رأي استشاري بخصوص المجلس الأعلى للمغاربة المقيمين بالخارج، قام بتنفيذ برنامج عمل جعل من بين أهدافه الأساسية توسيع نطاق المشاورات والاستشارات، والمشاركة في جميع الأشغال الممهدة لإعداد هذا الرأي الاستشاري عبر تنظيم أنشطة متنوعة، كان من بينها ندوات دراسية ولقاءات تشاورية وأخرى كان الغرض منها توسيع نطاق التواصل مع الجميع. ويسهر المجلس حاليا على إعداد تقرير حول كل تلك الأنشطة والشروع في صياغة الرأي الاستشاري الذي سيتم رفعه إلى النظر السديد لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله بعد عرضه ومناقشته والمصادقة عليه من طرف هذا المجلس.
ولمواصلة تنفيذ التكليف الملكي السامي بخصوص إعداد مشروع ميثاق وطني لحقوق المواطن وواجباته سيعمل المجلس على إطلاق مسلسل بلورة الميثاق من خلال مواصلة الأعمال التحضيرية التي بدأها في ولايته السابقة وعقد لقاءات تشاورية وحوارية مع كافة مكونات المجتمع.
حضرات السيدات والسادة،
في إطار ممارسته لصلاحية النظر في النصوص التشريعية والتنظيمية بما يتلاءم مع مبادئ ومعايير حقوق الإنسان، أحيل على المجلس مشروع قانون الصحافة والصحفيين المهنيين من طرف السيد الوزير الأول، عقد المجلس جلسة خاصة لمناقشته انتهت بالمصادقة على مشروع مذكرة جوابية أولية تم رفعها إلى السيد الوزير الأول. وإذ نسجل أهمية المبادرة المتخذة من قبل الحكومة القاضية بإحالة مشروع قانون على المجلس، ولأول مرة، وننوه بها، ندعوها إلى مواصلة إحالة مشاريع القوانين والنصوص التنظيمية ذات الصلة بحقوق الإنسان.
حضرات السيدات والسادة،
يتابع المجلس معالجة الشكايات والتظلمات التي يتوصل بها سواء من طرف الأفراد أو عائلاتهم أو المنظمات الوطنية العاملة في مجال حقوق الإنسان. ويدل عدد الشكايات والمراسلات التي توصل بها، وكذا عدد المواطنين الذين وفدوا عليه، على الثقة والمصداقية التي أصبحت تتمتع بها مؤسستنا، مما يزيد من عبء المسؤولية والعمل على الرفع من مستوى وثيرة العمل والأداء في مجال الحماية والتصدي للانتهاكات.
وتفعيلا لاختصاصاته المتعلقة بالنهوض بثقافة حقوق الإنسان، واصل المجلس التعاون مع شركائه الحكوميين وغير الحكوميين من خلال تنسيق عمل اللجنة المستقلة للإشراف على إعداد الأرضية المواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان التي تم الإعلان الرسمي عنها يوم الاثنين 26 فبراير2007. ويواصل المجلس دعمه للعمل المتعلق بتحديد المراحل والآليات المتعلقة بتفعيل الخطة، من خلال التفكير في الآليات المؤسساتية الملائمة. كما يعمل المجلس حاليا، على تفعيل مقتضيات اتفاقيتي الشراكة مع كل من وزارتي الداخلية والتربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي.
وفي سياق المهام المرتبطة بالنهوض بثقافة حقوق الإنسان في مجالات التكوين والتوثيق والإعلام، يواصل مركز التوثيق والإعلام والتكوين في مجال حقوق الإنسان القيام بأنشطته المتنوعة وخاصة تنظيم دورات تدريبية وورشات استفاد منها مشاركون من داخل الوطن ومن خارجه، وتطوير رصيده الوثائقي من خلال ربط علاقات مع مختلف الجهات العاملة في مجال حقوق الإنسان وتقوية الشراكة مع المنظمات الوطنية والمؤسسات الدولية.
حضرات السيدات والسادة،
تعزيزا لموقع المجلس على الصعيد الدولي والإقليمي ودعم حضوره في المنتديات الدولية، واستمرارا في مواصلة التعريف بالتجربة المغربية على الصعيد الدولي، يواصل المجلس جهوده المبذولة للمشاركة في أشغال هيئات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وللتعاون مع باقي المنظمات الدولية والإقليمية العاملة في مجال حقوق الإنسان وتيسير التعاون بينها وبين السلطات العمومية. وبالنظر للأهمية التي يوليها لتبادل الخبرات والمعلومات على الصعيد الثنائي والمتعدد الأطراف بينه وبين غيره من المؤسسات الوطنية للنهوض بحقوق الإنسان، سيواظب المجلس على المشاركة في اجتماعات وأنشطة لجنة التنسيق الدولية بين المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وغيرها من اللجان على الصعيد الإقليمي.
وللتعريف بتجربة المجلس كمؤسسة وطنية من حيث مساهمتها في تطوير أوضاع حقوق الإنسان ببلادنا وآفاق عملها، وبتجربة هيئة الإنصاف والمصالحة ونتائج أعمالها ومتابعة تفعيل توصياتها من قبل المجلس، يواصل هذا الأخير تنظيم زيارات لوفود وشخصيات تمثل جهات حكومية وغير حكومية من مختلف أقطار العالم.
وإعمالا لصلاحية تقديم المشورة والمساعدة للحكومة في إعداد التقارير التي يتعين على بلادنا تقديمها للجان المعنية بحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، يعمل المجلس على مرافقة الحكومة في إعداد تلك التقارير، كما سيواصل حث الحكومة على تنفيذ التوصيات الصادرة عن اللجان المعنية، وعلى تشجيع مواصلة مصادقة المملكة على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
حضرات السيدات والسادة،
في مجال أنشطته المتعلقة بمتابعة تفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وعلى مستوى متابعة تلك المتعلقة بجبر الضرر الفردي، استمر المجلس في اعتماد سياسة القرب من الضحايا التي اعتمدتها هيئة الإنصاف والمصالحة خلال ولايتها، حيث أفضى التعاون مع الحكومة إلى تحويل مبالغ التعويض إلى بريد المغرب وتم استخلاصها من قبل المستفيدين في أي مركز بريدي، مما جنب الضحايا، وخصوصا أولئك الذين يقطنون بمناطق نائية، معاناة الانتقال إلى مقر المجلس قصد تسلم مستحقاتهم. وقد توصل أكثر من 90% من مجموع المستفيدين بتلك المستحقات. كما أحرز المجلس تقدما في دراسة ووضع مقترحات بشأن باقي التوصيات المتعلقة بباقي أشكال جبر الضرر كالإدماج الاجتماعي وتسوية الأوضاع القانونية والإدارية وإيجاد حلول لقضايا نزع الممتلكات، وسنعمل في المرحلة المقبلة، بتعاون مع الحكومة، على استكمال تفعيل تلك التوصيات. وتابع المجلس أيضا، تفعيل توصية هيئة الإنصاف والمصالحة المتعلقة بإدماج الضحايا في نظام التغطية الصحية الأساسية، حيث أفضى التعاون بينه وبين الحكومة إلى تبني مقترح يقضي بتمكين الضحايا من الاستفادة من أحسن إمكانيات التغطية المتاحة، وأن تتكفل الدولة بتسديد نفقات الانخراط في هذه التغطية عن الضحايا، وسيتم تنفيذ ذلك في إطار الاتفاقية بين الأطراف المعنية والتي سيتم الإعلان عنها في 5 يونيو المقبل إن شاء الله.
كما سيعمل المجلس في غضون الستة أشهر المقبلة على وضع الإجراءات الخاصة بتفعيل التوصية المتعلقة بإنشاء مركز مرجعي مختص في مجال العناية بضحايا الانتهاكات وسوء المعاملة.
وموازاة مع التقدم الحاصل في التحريات المجراة بخصوص الأشخاص الذين تعرضوا للاختفاء القسري وتأكدت وفاتهم أثناء الاحتجاز أو لازال مصيرهم مجهولا، تابع المجلس مع الجهات المختصة بعض الحالات فيما يتعلق بنتائج تحاليل الحمض النووي، ونتائج التحريات بالنسبة لمصير حالات أخرى، وتحديد أماكن دفن الحالات التي توجد قرائن قوية على وفاتهم. كما عمل المجلس على مساعدة عدد من العائلات التي تقدمت بطلب إقامة الشعائر الدينية بعد حصول القناعة لديها بوفاة قريبها، وسيعمل على الاستجابة لطلبات عائلات أخرى بخصوص الحضور في مراسيم الترحم، جماعات أو أفراد.
حضرات السيدات والسادة،
من بين المواضيع التي ينبغي على المجلس تكثيف الجهود بخصوصها في المرحلة المقبلة، من خلال التعاون مع كل الأطراف المعنية، تلك المتعلقة بمتابعة تفعيل كل التوصيات ذات الصلة بالإصلاحات التشريعية والمؤسساتية، سواء تلك الصادرة عن هيئة الإنصاف والمصالحة والتي تستهدف تعزيز الحماية الدستورية والقانونية والقضائية لحقوق الإنسان، ووضع استراتيجية وطنية لمناهضة الإفلات من العقاب، وإجراء إصلاحات في مجالات الأمن والعدالة والتشريع والسياسة الجنائية، أو تلك الصادرة عن المجلس في تقاريره السنوية والموضوعاتية والتي تجدون ملخصا تركيبيا عنها في التقرير المرحلي الذي بين أيديكم.
حضرات السيدات والسادة؛
طبقا للتوجيهات الملكية السامية، سيعمل المجلس باعتباره مؤسسة تعددية ومستقلة لها صلاحية مراقبة الممارسة السليمة للحريات الفردية والجماعية والعمل على حمايتها والنهوض بها، على تتبع الانتخابات التشريعية المقبلة، بالتعاون مع السلطات العمومية والهيئات المختصة المعنية؛ كما سيكون عليه القيام بالدراسات اللازمة قصد إعداد توصيات ورفعها للنظر المولوي السديد في موضوع إحداث فروع جهوية للمجلس، مع إعطاء الانطلاق للمناطق ذات الأولوية. وسيحرص المجلس على أن يتم ذلك بالتنسيق مع السلطات الحكومية المختصة وكل الهيئات المعنية وعلى ضمان الانسجام والتعاون مع والي المظالم فيما يخص المندوبيات الجهوية التي تعتزم هذه المؤسسة إحداثها.
ولضمان استمرار المجلس في ممارسة كل الاختصاصات والمهام السابقة الذكر بكفاءة وفعالية، سنعمل في هذا الاجتماع، إن شاء الله، على تجديد هياكله من مجموعات عمل ولجان خاصة، وتبعا لذلك تشكيل لجنة التنسيق.
حضرات السيدات والسادة؛
لا يمكنني في نهاية كلمتي هاته إلا أن أجدد اعتزازنا جميعا بكون الديناميكية التي أطلقها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان منذ إعادة تنظيمه وتوسيع اختصاصاته سنة 2001، والتي دعمها الانخراط في مسلسل تفعيل التوصيات الصادرة عن هيئة الإنصاف والمصالحة، قد فتحت آفاقا رحبة أمام التوجه العام لبلدنا نحو استكمال البناء الديمقراطي وتوطيد دولة الحق والقانون وحماية حقوق الإنسان والنهوض بها، ولذلك نعتقد أن مؤسستنا مطالبة اليوم، وأكثر مما مضى، بمواصلة الجهود الرامية إلى توطيد المكتسبات في هذا المجال بارتباط مع باقي المجالات ذات الصلة بالتنمية البشرية.
الرباط، 15 يونيو 2007