الكلمة الافتتاحية لرئيس المجلس السيد محمد العربي المجبود
في الاجتماع الثالث
للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان
بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب المعالي
حضرات السادة
بطيب لي أن أعلن عن افتتاح هذا الاجتماع الثالث للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وأن أجدد بكم اللقاء وقد أصبحنا نشكل كتلة ملتحمة وأسرة منسجمة تعمل يدا في يد تحقيقا لهدف واحد.
وما أثلج قلبي وسهل علي أداء مهام الرئاسة أن المناقشات والمداولان كانت هادئة متزنة تطبعها الكياسة واللباقة. فلم أسمع تحت هذه القبة كلاما محرجا ولا قولا جارحا. وليس ذلك بغريب وهذا المجلس الموقر الذي يحظى بالعمل بجانب الجلالة الشريفة وتحت إمرة أمير المؤمنين أعزه الله وما يكسيه ذلك من مقام رفيع بين أحضانه رجالا من وجهاء الدولة المرموقين وأدباء وعلماء وكتابا ومؤلفين وأساتذة جامعيين وقضاة ومحاميين ومناضلين سياسيين ونقابيين قال فيهم جميعا صاحب الجلالة أنهم يتحلون بالاستقامة والضمير المهني والمصداقية والخبرة والغيرة على الوطن
إن الاجتماع الأول والثاني إضافة إلى أنهما سمحا لنا بالتعرف على بعضنا وربط الاتصال بيننا أكثر كان نتاجهما خصبا من حيث تحديد وإرساء قواعد العمل وتبادل الآراء وتنسيق الخطط ورفع ما ذهبنا إليه من اقتراحات إلى حضرة صاحب الجلالة في إطار الاستشارة المخولة إلينا.
فعلى صعيد مجموعة العمل المكلفة بالوضع تحت الحراسة والاعتقال الاحتياطي لقد تم وضع توصيات تبناها المجلس تتجسم في تعديلات هامة أدخلت على قانون المسطرة الجنائية ضمانا لكرامة الأشخاص وحريتهم وحرية الدفاع وحماية المواطنين مما قد يقترف عليهم من أخطاء أو تجاوزات.
ولقد وافق صاحب الجلالة الملك المعظم نصره الله على هذه الاقتراحات وأصدر تعليماته الشريفة في مجلس وزاري إلى مجلس النواب في شكل مشروع قانون قصد المصادقة عليه لتحول هذه الاقتراحات إلى نصوص تشريعية في أقرب الآجال.
إن هذا الإنجاز الهام يعد منعطفا جديدا في التشريع الجنائي المغربي ومكتسبا ثمينا في مجال حقوق الإنسان إذ هو يأخذ بعين الاعتبار بصفة أكثر تأمين فعالية ونجوع العقاب من جهة وضمان حرية الأشخاص من جهة أخرى.
وعلى مستوى الممارسة فإن مجموعة العمل بذلت جهودا واسعة النطاق في ميدان أداء مأموريتها استنتجت منها توصيات هامة تعرض على المجلس ليتخذ بشأنها الموقف الذي يراه لائقا سواء بخصوص الوضع تحت الحراسة أو الاعتقال الاحتياطي.
أما بخصوص الوضعية في السجون فإن المجموعة المكلفة بالموضع قامت هي الأخرى على أحسن وجه بالمهام المسندة إليها. إن جلسة العمل التي عقدتها مع السيدة وزير العدل ومساعديه ساهمت بصفة فعالة في تقديم معلومات إضافية عن السجون معززة بالوثائق المتعلقة بها. وفي إطار نشاطها قامت المجموعة بزيارة بعض السجون المهمة واطلعت على أحوال نزلائها وما يعترضهم من مشاكل، فضمنت كل ذلك في تقرير مفصل مذيل باستنتاجات وتوصيات مهمة ستعرض المجلس في هذه الدورة للموافقة عليها قبل رفعها إلى الجناب الشريف أعزه الله.
وعلى صعيد الإعلام يتجسد أبرز إنجاز على مستوى الاتصالات الخارجية في الزيارة التي قام بها وفد عن المجلس إلى البرلمان الأوروبي في مقره بسترازبوغ قصد التعريف به وبمنجزاته. وفي هذا الإطار، عقد الوفد الذي لعب ضمنه الأستاذ الكبير والكاتب الشهير السيد عبد الله العروي دورا هاما جلسات مع رئيس لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان ومع ممثل منظمة العفو الدولية لدى المؤسسات الأوروبية والأمين العام للمعهد الدولي لحقوق الإنسان والمستشار الخاص لرئيس البرلمان الأوروبي. وأثناء هذه الاتصالات تم التركيز على التعريف بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وعلى رغبته في المساهمة في مسيرة الأمم العاملة لصالح حقوق الإنسان والاتصال بالمنظمات الدولية التي تعني بهذا المجال.
إثر ذلك إن مجموعة العمل التي عهد إليها بشؤون الإعلام والاتصال بالمنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان قامت بنشاط جد مكثف ومتعدد الجوانب.
إضافة إلى الاجتماع الذي عقدته مع السيد وزير الداخلية والإعلام بحضور مكتب النقابة المغربية للصحافة قصد تنسيق التعامل مع الصحافة الوطنية وإطلاع المجلس على ما ينشر بشأن التجاوزات لحقوق الإنسان وكذا تعيين محاور دائم مع المجلس تابع لوزارة الإعلام، ثم عقد جلسات عمل مع السيد وزير الدولة المكلف بالشؤون الخارجية والتعاون تقرر أثناءها تعيين محاور ينتمي إلى الوزارة يعهد إليه بربط صلة الوصل بين هذه الأخيرة والمجلس وتزويد هذا الأخير نظاميا بالتقارير الصادرة عن المنظمات الدولية المتعلقة بالمغرب بخصوص حقوق الإنسان، وإنشاء علاقات تعاون بين المجلس والمنظمات الحكومية وغير الحكومية للتعريف بالوضع الحقيقي لحقوق الإنسان بالمغرب.
وأهم حدث سجله المجلس يتجسد في تشرف وفد عنه بمقابلة صاحب الجلالة نصره الله بالديوان الملكي يوم 28 ديسمبر من السنة الماضية، حيث تلا السيد الأمين العام والرئيس بالنيابة مذكرة صادرة عن المجلس بتكوين لجنة البحث والتقصي في أحداث 14 ديسمبر 1990.
ولقد ألقى جلالته، كلمة سامية فائقة الروعة من حيث الشكل والمضمون أبرز فيها حفظه الله القيم الأساسية التي يجب التركيز عليها لصالح المؤسسات الدستورية وتكريس الشرعية والمشروعية.
فأعن جلالته عن موافقته على إنشاء لجنة مكونة من أعضاء المجلس تعني بالبحث والتقصي في أحداث 14 ديسمبر مؤكدا أيده الله أنه سيصدر تعليماته الشريفة إلى السيد الوزير الأول لاتخاذ الإجراءات اللازمة لقيام اللجنة بمهامها في أحسن الظروف.
وما أسعد قلوبنا جميعا وملأها مسرة وافتخارا أن صاحب الجلالة أيده الله ونصره عبر بوصفه أمير المؤمنين ومواطنا عن رضاه وعطفه ورعايته للمجلس على ما حققه من نتائج بأسلوب هادئ متزن.
إن هذا التنويه الملكي السامي لأقوى مشجع وأعظم حافز لنا لمواصلة العمل بالعزم الراسخ وكامل نكران الذات.
إن الرسالة المسندة إلينا اعتبارا لما لها من أهمية فائقة تستوجب منا معالجتها بترو وحكمة واعتدال ساهرين – إن اقتضى الحال- على تنظيف غسيلنا بعيدا عن أنظار الدخلاء، حفاظا على ظهور بلدنا الآمين بالمظهر اللائق بمكانته المرموقة في حقل المجتمع الدولي.
وكلنا إيمان بأن وضع صرح الدول لا يتم دفعة واحدة، بل يتطلب مراحل ثابتة وأشواطا راسخة يأتي كل واحد منها في إبانه لإعطاء الدولة شكلها وهيكلها، ثم الصعود بها تدريجيا نحو الغاية المثلى.
ومن الأكيد أن ما حققناه إنجاز هائل جدير بالاعتبار.فقطعنا شوطا مهما في مجال حقوق الإنسان سائرين بعزم وثبات في الدرب السليم، ومن سار على الدرب وصل.
ونحن ولله الحمد سائرون في الاتجاه الصحيح مزودين بجميع الوسائل الناجعة.
فهنيئا لنا جميعا وشكرا لكافة أعضاء مجموعات العمل الثلاث على إنجازهم الجيد وعلى الجهود التي بذلوها للوصول إليه.
وإنها لمناسبة سانحة لأتقدم بالشكر الحار إلى حكومة صاحب الجلالة نصره الله في شخص السيد الوزير الأول والسادة : وزير الدولة المكلف بالشؤون الخارجية والتعاون ووزير العدل ووزير الداخلية والإعلام، على المساعدة التامة التي قدمتها لمجموعات العمل الثلاث طبقا لتعليمات صاحب الجلالة الملك المعظم، والتي لولاها لما استطاع المجلس أن يؤدي المهام المنوطة به في ظروف ملائمة.
وسأكون مخلا بالواجب إذ لم أتوجه بالشكر بصفة خاصة إلى صديقي وزميلي الأستاذ محمد ميكو الأمين العام للمجلس وقلبه النابض على المعونة التي قدمها إلي في نطاق مهام الرئاسة وعلى الأسلوب الحكيم المتزن الذي يسير به مرافق المجلس: إنه ولا ريب الرجل الصالح في المكان الصالح الذي وصفه صاحب الجلالة في خطابه السامي الذي ألقاه أيده الله يوم 8 ماي 1990، بمناسبة إنشاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان "القاضي المعروف المحترم النزيه".
إن جدول أعمال هذا الاجتماع جد مثقل وحافل بالقضايا ذات الأهمية بمكان. وإني لواثق أن المجلس سيتصدى لها كالمعتاد بالدراسة المعمقة والفحص الدقيق سعيا إلى الخروج باقتراحات جديرة برضا، مولانا صاحب الجلالة أمير المؤمنين دام له النصر، والتمكين الساهر على مصالح هذا البلد المسلم الأمين والممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها والمؤتمن على صيانة حقوق وحريات المواطنين.
أبقاه الله حاميا للوطن ومرشدا حكيما لشعبة المتفاني في حبه والمتشبث بطاعته وأقر عينه بولي عهده الأمير الجليل صاحب السمو الملكي سيدي محمد وشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير المحبوب المولى الرشيد وسائر أفراد الأسرة المالكة الشريفة.
السلام عليكم ورحمة الله.
رئيس المجلس
محمد العربي الجبود