المذكرة المرفوعة إلى صاحب الجلالة حول إحداث هيئة التحكيم المستقلة
بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على الرسول المصطفى الأمين
مولانا صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني أمير المؤمنين وحامي حمى الوطن والدين دام له النصر والتمكين.
بكل مظاهر الإجلال والإكبار، وأحكم آيات الاعتزاز والافتخار، وبعد تقديم ما يجب من فروض الطاعة والولاء لمولانا الإمام دام عزه وعلاه، يتشرف خدام الأعتاب الشريفة رئيس وأعضاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ؛ بأن يرفعوا إلى علم السدة العالية بالله المحفوفة بعنايته، والمشمولة برعايته، أن المجلس عقد اجتماعه الثالث عشر يوم الجمعة 15ذي الحجة 1419هـ الموافق 2 أبريل 1999م تنفيذا للأمرالمولوي المطاع، واستنادا إلى المادة الخامسة من الظهير الشريف رقم 12. 90. 1 الصادر في 24 رمضان 1410هـ الموافق20 أبريل 1990م المؤسس للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان.
إن أعضاء المجلس -يامولاي- وهم يعقدون اجتماعهم الثالث عشر في جو من الفخر والامتنان بما قلدهم به مولانا الإمام من أمانة سامية، وما حملهم به من مسؤوليات عالية، لدراسة ما تبقى من الملفات العالقة في ميدان حقوق الإنسان في اطار تحقيق العدل واستكمال دولة القانون، سيرا على النهج الديمقراطي القويم الذي عرفت به مملكتكم السعيدة، والذي ثبت دعائمه والدكم المنعم المرحوم برحمته الواسعة محمد الخامس طيب الله ثراه، حيث عمل على إصدار مدونة الحريات العامة ولم تمض على الاستقلال إلا سنتان، كما سهر على إرساء المؤسسات الديمقراطية والاجتماعية والاقتصادية.
وما أن ولاكم الله أمر هذا البلد الأمين يامولاي، حتى سارعتم إلى تثبيت دعائم نظام الملكية الدستورية، بحرصكم على تمتيع شعبكم بأول دستور للمملكة، الذي كرس مكانة أمير المؤمنين الضامن الأمين لحماية حقوق وحريات المواطنين ؛ ومنذ ذلك الحين وجلالتكم المنيفة تصدر القوانين المختلفة، وتقيم المؤسسات المتعددة، استكمالا لدولة القانون؛ وقد أبيتم يامولاي إلا أن تتوجوا هذه المؤسسات بأحد إبداعاتكم الحميدة من بين العديد من الابداعات الحسنية الثمينة، وذلك بإحداث المجلس الاستشاريلحقوق الإنسان، وأن تحيطوه بعنايتكم الكريمة، وتشرفوا أعضاءه بالعمل في مجلس بجانب جلالتكم الشريفة وتحت إمرتكم السامية، وأن تجعلوا منه مؤسسة متميزة في تنفيذ مخططاتكم الهادفة إلى حماية حقوق الإنسان وتطويرها.
وإن الأعضاء خدام الأعتاب الشريفة ليفخرون بما أوليتم المجلس من رعاية سامية حيث شملتم توصياته كلها جملة وتفصيلا برضاكم الكريم، وموافقتكم السامية، فتم بفضلكم وعلى مدار ما يقارب العشر سنوات من حياة هذه المؤسسة تسوية كل القضايا التي أمرتم بإحالتها على المجلس، وكانت أشغاله في سنة 1994 محطة تاريخية مهمة في حياته، إذ أصدرت جلالتكم عفوها الشامل على مجموعة من المواطنين الموجودين منهم داخل المغرب أو الذين اختاروا الغربة عن الوطن، فجمع الشمل العائلي وتحقق استقرار هؤلاء وأولئك في وطنهم بأمن وآمان وطمأنينة وسلام، تنفيذا لسنن جدكم المصطفى، عليه أفضل صلاة وتسليم، المبنية على الرحمة والتسامح، والتوادد والتحاور، كما باركتم ما رفعه المجلس في نفس السنة من رأي استشاري حول دراسة ملف ما يسمى «بالمختفين»، الأمر الذي حظي في الداخل والخارج بأكبر تقدير وأعظم تنويه. وبذلك يعتز أعضاء المجلس بتتويج هذه المسيرة الحسنية في ميدان حقوق الإنسان بنتائج اجتماعهم هذه التي يتشرفون فيها بتنفيذ تعليمات جلالتكم بالطي النهائى لما تبقى من الملفات العالقة في ميدان حقوق الإنسان.
وإن أعضاء المجلس وهم ينفذون الأوامر الملكية المطاعة التي صدر بها النطق السامي في خطاب جلالتكم أمام البرلمان عند افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية، القاضية بطي الملفات العالقة في ميدان حقوق الإنسان في غضون الستة أشهر الموالية للنطق السامي، ليتشرفون بأن يرفعوا إلى الجناب الشريف دام عزه وعلاه، أن المجلس سارع بعد الخطاب السامي إلى جمع لجنة المتابعة والتدقيق لملف ما يسمى بالمختفين والتي مثلت فيها فعاليات سياسية ونقابية وجمعوية، ولقد تمكنت هذه اللجنة من تكليف لجينة تقنية يرأسها قاض برتبة رئيس غرفة بالمجلس الأعلى وتضم في عضويتها ممثلين عن وزارتي العدل والداخلية تتكفل بدراسة كل الوثائق والمعلومات حول الملف ورفع نتائج أعمالها إلى لجنة المتابعة والتدقيق.
ومنذ ذلك الحين، تواصلت الاجتماعات داخل المجلس لدراسة وتمحيص الملفات واتخاذ التدابير الضرورية والقيام بالاتصالات مع السلطات القضائية والإدارية ومع المنظمات الحقوقية المهتمة والعائلات المعنية.
إن أعضاء المجلس - يامولاي- وهم يعرضون على الجناب الشريف أبقاه الله حصيلة هذا العمل، ليؤكدون لجلالتكم التزامهم والتزام من يمثلونهم من أحزاب سياسية وعلماء ومركزيات نقابية وجمعيات حقوقية ومهنية ومؤسسات علمية ودينية وممثلي المقاومة وجيش التحرير لما وصلوا إليه من نتائج، معتبرين أن ملف ما سمي بـ «المختفين» والمحصور عددهم في مائة واثنى عشر ملفا قد طوي نهائيا وذلك بعد ما قام أعضاء المجلس بدراسة كل الحالات، ووصلوا إلى قناعة تامة أن البحث قد شمل كل ما يمكن القيام به، وأنه تبين للأعضاء بناء على ذلك أن من بين من سمي بالمختفي من لاتنطبق عليه المعايير الدولية المتعلقة بتكييف الوقائع بالاختفاء القسري كما أن من بينهم من تنطبق عليهم تلك المعايير طبقا لما هو وارد في الملحق الأول.
إن أعضاء المجلس - يامولاي - وهم يطمحون في كريم عطفكم، وصائب حدبكم وسخائكم، ليقترحون على مولانا الإمام والرأي السديد للجناب الشريف أعز الله أمره أن يمتع جميع المعنيين بالأمر أو ذوي حقوقهم بالتعويضات الملائمة سيرا على نهجكم الحسني القويم الذي يصون كرامة رعاياكم ويدعمها ويحفظها؛ وأن تتولى هيئة تحكيمية خاصة مهمة تحديد هذه التعويضات لمستحقيها، وتتكون هذه الهيئة بجانب المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان من أعضاء من المجلس وقضاة من المجلس الأعلى وممثلين عن قطاعات العدل والداخلية، ويرأسها قاض من المجلس الأعلى، ولها أن تستعين بخبراء كلما رأت ذلك ضروريا لتحديد عناصر التعويض ومبالغه في إطار ما هو منصوص عليه في
الملحق الثاني.
وإن خدام الأعتاب الشريفة أعضاء المجلس انطلاقا مما عهد في الجناب الشريف أسماه الله وأعز أمره من رحمة لا ينضب معينها ورأفة لاحصر ولاحدود لها، تشملون بها كل أفراد شعبكم دون استثناء، سيرا على نهج جدكم النبي الكريم عليه كل صلوات وتسليم، ليلتمسون من سيدنا دام نصره وعلاه أن تمنوا بعفوكم الكريم على كل من غرر به وسولت له نفسه ارتكاب جريمة المساس بأمن الدولة وسلامتها أو المشاركة في ذلك أو التحريض عليه وما ترتب عن ذلك من ردود فعل من طرف السلطات المعنية أو من أعوانها للحفاظ على سلامة الدولة وأمنها، رغبة من خدامكم الأوفياء أعضاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في تنفيذ الأمر المولوي المطاع بالطي النهائي لما تبقى من ملفات حقوق الإنسان العالقة.
وإن أعضاء المجلس لتحيط بهم هالة من الاعتزاز وتشملهم نشوة الافتخار لما توصلوا إليه من أجل تنفيذ التوجيهات الملكية السامية بإغلاق ملف المختفين باعتباره آخر إنجاز يؤدي إلى الطي النهائي للملفات العالقة في ميدان حقوق الإنسان.
وما كان لخدامكم أعضاء المجلس أن ينهوا أشغالهم ويتوصلوا إلى هذه النتيجة بالإجماع لو لم يستلهموا سبل السير القويم لاقتراحاتهم وكل أعمالهم من الدرر الحسنية الثمينة، والحكم المولوية الغالية، التي تتضمنها ارشاداتكم وتوجيهاتكم؛ آخرها ذلك النطق الملكي السامي الوارد في خطاب جلالتكم أمام البرلمان والداعي إلى العمل على عدم إبقاء (المغرب جارًا من ورائه سمعة ليست هي الحقيقة وليست مطابقة لماضيه ولا لواقعه ولاتفيده في مستقبله).
أبقاكم الله يامولاي منبعا للرأفة والرحمة وأطال عمركم وأدامكم ملاذا أمينا لشعبكم وحصنا مكينا لمملكتكم وضامنا لحقوق وحريات رعاياكم وأمن واستقرار بلدكم وأسدل عليكم رداء الصحة والعافية وحفظكم في ولي العهد المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير الجليل سيدي محمد وصنوه السعيد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد وسائر أفراد أسرتكم الملكية الشريفة إنه سميع مجيب.
والسلام على المقام العالي بالله ورحمته تعالى وبركاته.
وحرر بالرباط في يوم الجمعة 15ذي الحجة 1419هـ الموافق 2 أبريل 1999م.
الخديم الـوفـي
رئيس المجلس
إدريس الضحاك