الحق في المدينة، تجسيد للجيل الثاني من حقوق الإنسان وأساس التدبير الجيد لشؤون المدينة والعيش الكريم
وقد كان هذا اليوم الدراسي، الذي حضره ثلة من الأساتذة والطلبة والباحثين الجامعيين وممثلي السلطات العمومية والمنتخبين والمجتمع المدني وعدد من الفاعلين المهتمين، فرصة لفتح النقاش والتبادل وتدارس مفهوم الحق في المدينة، على اعتبار أن تفعيل هذا الحق تنزيلٌ للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وضمانٌ للتدبير الجيد لشؤون المدينة والنهوض بها، خاصة مع تزايد نسبة التحضر في العالم عامة والدول المغاربية، و على رأسها المغرب، خاصة. وخلال كلمته الافتتاحية، أبرز السيد محمد الصبار، أمين عام المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن هذا اللقاء يندرج في إطار اختصاصات المجلس في مجال إثراء الفكر والحوار في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، موضحا أن الحق في المدينة حق جامع يرتبط به الحق في السكن والصحة والبيئة السليمة والولوج إلى الخدمات وتلبية احتياجات السكان وضمان العيش الكريم...
ولمواجهة المخاطر المهددة للحق في المدينة، خاصة مع تفاقم المشاكل المرتبطة بالتوسع العمراني وارتفاع عدد سكان المدينة، يجب، يضيف السيد الصبار، سن سياسات عمومية مناسبة واتباع نموذج اجتماعي يرتكز على مبادئ الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والمشاركة الاجتماعية، لبناء مجتمع حضري قائم على القيم واحترام الاختلاف والتنوع والتقدير المتساوي للقيم، تصان فيه كرامة الإنسان وتلبى حاجيات الساكنة ويتكامل فيه حق الإنسان في المدينة مع مختلف المبادئ المنصوص عليها في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
ومن جانبه اعتبر السيد عبد اللطيف أوعمو، رئيس بلدية تيزنيت، أن الحق في المدينة حق فردي وجماعي مشترك لسكان المدينة، وهو مفهوم متكامل مع مبادئ النظام الدولي لحقوق الإنسان ومعزز بمبادئ التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، مشبها الحق في المدينة بشمس يدور في فلكها عدد من الحقوق منها الحق في الكرامة والصحة والسكن والأمن الاجتماعي والتنقل والشغل والثقافة والتعليم والمشاركة والعيش الكريم والبيئة والخدمات وغيرها.
وطرح السيد أوعمو عددا من المشاكل المرتبطة بالمدينة، من بينها الفقر والعنف داخل المجال الحضري وضعف أو انعدام البنيات التحتية والخدمات الأساسية وإقصاء فئات من الساكنة من المشاركة في اتخاذ القرار الجماعي وهشاشة الأحياء السكنية وتنامي الفوارق الاجتماعية والمجالية وقلة فرص الشغل..، داعيا إلى ضرورة وضع سياسات عمومية تتوخى توفير الحق في مدينة للجميع تضمن المشاركة والإدماج...، مؤكدا على دور الجماعات المحلية والمجتمع المدني في تفعيل هذا الحق.
السيد محمد شارف، رئيس اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بأكادير، أبرز أن هذا اللقاء يهدف إلى فتح النقاش والتبادل والتفكير في مفهوم المدينة ومفهوم الحق في المدينة، خاصة مع تفاقم المشاكل والإشكاليات المرتبطة بهما، وعلى رأسها الإقصاء والتهميش. وأضاف السيد الشارف أن هذا اليوم الدراسي يعتبر محطة تأمل جماعية للخروج باقتراحات وتوصيات تكون لبنة لعمل مستدام وجاد للنهوض بهذا الحق وتفعيله، من خلال خلق مدن للجميع تضمن الاستجابة إلى الحاجيات الإنسانية وتكون فضاء مختلفا تصان فيه الكرامة وتكرس فيه المشاركة والمواطنة وحقوق الإنسان.
واستمرت أشغال هذا اليوم الدراسي، بعد الجلسة الافتتاحية والجلسة العامة التي تم خلالها إلقاء مداخلات تناولت "المدن والمجتمع في المغرب الكبير: أية استدامة؟"، "المدينة القانونية والمدينة الواقعية: أية مواطنة وأي حق في المدينة المغربية؟"، "المدينة و رهانات التراث المادي واللامادي بالمغرب"، "المدينة ورهان التنمية المستدامة في المغرب"، "الحق في التراث وحقوق التراث"، "المذكرة 21 في المغرب والعالم" و"حقوق المدينة و الحق في المدينة: المعنى والرهانات"، على شكل أربع ورشات عمل.
وناقشت ورشات العمل الأربعة مواضيع "التمدن و موقع المواطن في سيرورة صناعة المدينة" و"المدينة المتضامنة: أية آفاق؟" و"التنمية والتراث والتدبير البيئي للمدينة" و"الحكامة الحضرية: تزنيت من الديمقراطية التمثيلية إلى الديمقراطية التشاركية"، وخرجت بمجموعة من المقترحات والتوصيات من بينها:
- تعزيز دور المجتمع المدني ليلعب دورا فاعلا في تفعيل الحق في المدينة
- توفير بنيات مؤسساتية لتسطير سياسة للمدينة من خلال إستراتيجية واضحة يشارك فيها الجميع
- تشجيع البحث العلمي وانفتاح الجامعة على محيطها وتدوين التراث
- نشر الفكر التضامني وتعميم تجربة أندية التربية على المواطنة - نشر الميثاق العالمي للمدينة
- إرساء إطار للتفكير الجماعي حول مكانة التراث والتدبير البيئي في تنمية المدينة
- سن قوانين جديدة للحفاظ على التراث وحفظه وصيانته
- إشراك المجتمع المدني في كل السياسات العمومية والمحطات التنموية تفعيلا لأحكام الدستور ومقتضيات الميثاق الجماعي للمدينة
- ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة...
يذكر أنه تم خلال هذا اليوم الدراسي تكريم السادة محمد الصبار، أمين عام المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومحمد باري وأنور نور الدين الريضي، مسؤولا المكتب الإداري الجهوي للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سابقا. وقد جاءت هذه الالتفاتة من اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بأكادير اعترافا بما قدمه هؤلاء والدور الذي أدوه في سبيل تقدم وتطور ممارسة حقوق الإنسان في المغرب بشكل عام