المقاربة المعتمدة من طرف لجنة المتابعة
إن التقرير الحالي يروم إبراز النتائج النهائية والخلاصات لما قامت به هيئة الإنصاف والمصالحة ولجنة المتابعة في هذا الباب من أعمال ومساع ومبادرات وخطوات وما بلورته، في ضوء هذه النتائج والخلاصات، من مقترحات والتزامات. ومادامت الأعمال المنجزة من لدن لجنة المتابعة في سياق التحريات تعد استكمالا لأعمال هيئة الإنصاف والمصالحة، بكل ما تنطوي عليه كلمة "استكمال" من مواصلة وتدقيق وتطوير وإعمال للتصورات، فإن الحاجة المنهجية تقتضي التذكير، ولو باقتضاب، بما قامت به الهيئة من أعمال وما توصلت إليه من نتائج في مجال التحريات.التحريات المنجزة إلى غاية انتهاء أشغال هيئة الإنصاف والمصالحة
توجت هيئة الإنصاف والمصالحة أعمالها، بما فيها التحريات، بتقرير ختامي تضمن جرداً شاملاً للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي عرفتها البلاد خلال المرحلة الممتدة من سنة 1956 إلى سنة 1999 وتحليلاً لظروفها وسياقاتها المختلفة، وتضمن عددا من المقترحات والتوصيات.
كما تضمن التقرير عرضاً لنتائج التحريات التي أجرتها الهيئة والتي أسفرت عن تحديد مصير عدد من الأشخاص المختفين ومجهولي المصير، كما أشار إلى الحالات العالقة أو التي لم يتأت التوصل إلى نتائج إيجابية بشأنها أو التي حال الحيز الزمني الذي كان متاحا للهيئة دون الاستجابة للمطالب الإضافية التي تقدمت بها بعض العائلات، وأوصى باستكمال التحريات بخصوصها. وأسفر عمل الهيئة عن نتائج ملموسة وتوصيات ومقترحات بشأن حالات الاختفاء القسري ومجهولي المصير، وضحايا الأحداث الاجتماعية وأماكن الاحتجاز والاعتقال السري السابقة.
المهام المنجزة من قبل لجنة متابعة تفعيل التوصيات
المهام المرتبطة باستكمال التحريات كما حددتها لجنة التنسيق
اعتبرت لجنة التنسيق الأعمال المرتبطة باستكمال التحريات حول الملفات التي بقيت عالقة تندرج ضمن المهام الاستعجالية القصوى بالنظر لطبيعتها ورهاناتها في إطار صيرورة استكمال طي صفحة الماضي، وحددتها كالتالي:
الأحداث الاجتماعية
- استكمال أعمال التحريات قصد تحديد ظروف الوفاة وبعض أماكن الدفن المحتملة
- تيسير اتصال عائلات الضحايا المتوفين بالنيابة العامة في الحالات التي تستدعي تدخل هذه الأخيرة قصد تحديد هويات الضحايا
- الاتصال بالعائلات وإخبارها بالنتائج المتوصل إليها
- المساعدة على تنظيم المراسيم والشعائر الدينية
- المساعدة على حل المشاكل القانونية والإدارية المترتبة عن الوفاة (شواهد الوفاة)
مجهولو المصير
- استكمال التحريات قصد تحديد مصيرهم
- الاتصال بالعائلات وإخبارها بالنتائج المتوصل إليها
- إصدار مقررات تحكيمية تتضمن ما تم التوصل إليه بخصوص تحديد المصير، وتوصية تتعلق بالإجراءات التي يجب اتخاذها لحل المشاكل القانونية المترتبة عن الوفاة
- المساعدة على تنظيم المراسيم والشعائر الدينية في حالة الوفاة
المتوفون بمراكز الاحتجاز
- استكمال تحديد باقي أماكن الدفن التي لم تحدد بعد
- الاتصال بالعائلات وإخبارها بالنتائج المتوصل إليها
- المساعدة على تنظيم المراسيم والشعائر الدينية
- المساعدة على حل المشاكل القانونية والإدارية المترتبة عن الوفاة (شواهد الوفاة)
استكمال التحريات المنجزة من لدن هيئة الإنصاف والمصالحة
استكمال الجوانب الإدارية والتقنية المتعلقة بدراسة الملفات المرتبطة بأعمال التحريات
بعد إحالة الملفات موضوع استكمال البحث عن الحقيقة على لجنة المتابعة، طبقا للبرنامج المحدد من قبل لجنة التنسيق، تولت إدارة المجلس القيام بالمهام التالية:
-إعادة تجميع وتصنيف وضبط الأرشيف المرتبط بالتحريات؛
-إعادة دراسة وتصنيف الملفات المرتبطة بأعمال التحريات على ضوء أجوبة السلطات العمومية التي توصلت بها هيئة
الإنصاف والمصالحة يوما قبل انتهاء ولايتها والتي تهم عددا مهما من الحالات العالقة التي سبق للهيئة أن صنفتها في تقريرها الختامي ضمن 66 حالة؛
-تحليل وتصنيف الطلبات موضوع الكشف عن المصير الواردة على المجلس بعد انتهاء ولاية هيئة الإنصاف والمصالحة؛
-إعداد تقارير فردية موجزة عن أعمال التحريات بالنسبة للملفات التي استوفيت فيها عناصر البحث والتحري؛
-إدخال النتائج والخلاصات والقرارات المتخذة بخصوص كل ملف إلى قاعدة البيانات؛
-إحالة الملفات التي تدخل ضمن اختصاصات هيئة الإنصاف والمصالحة، والتي لم يسبق للهيئة أن بتت في المطالب الواردة
فيها المرتبطة بجبر باقي الأضرار إلى اللجنة المكلفة بالموضوع.
- مواصلة وتطوير منهجية عمل هيئة الإنصاف والمصالحة في استكمال التحريات
اعتمدت اللجنة في مباشرة المهام المرتبطة باستكمال الكشف عن الحقيقة نفس المنهجية التي سارت عليها هيئة الإنصاف والمصالحة وعملت على تطويرها. وقد توخت هذه المهام استكمال التحريات التي كانت قد شرعت هيئة الإنصاف والمصالحة في القيام بها دون أن يتأتى لها إنهاؤها بسبب صعوبات موضوعية ترجع أساسا إلى ضيق المدة الزمنية المخصصة لأشغالها وضعف المعطيات والمعلومات الخاصة ببعض الحالات التي تعود إلى عهد بعيد.
بالإضافة إلى اعتماد نفس المنهجية التي اتبعتها هيئة الإنصاف والمصالحة، وأفضت إلى نتائج مهمة، والتي تجلت في مواصلة زيارة المدافن وأماكن الاعتقال السري والاتصال بالسلطات العمومية والاستماع للشهود والتعرف على قبور الضحايا ووضع الشاهدات عليها وزيارة العائلات واستقبالها، لجأت لجنة المتابعة إلى الاستعانة بالنيابة العامة لإصدار أوامرها للجهات المختصة، كل في مجال اختصاصاته، قصد استخراج الرفات من المدافن التي كشفت عنها تحريات هيئة الإنصاف والمصالحة أو لجنة المتابعة، للتعرف على هويات أصحابها وتأكيد أو نفي ما تم التوصل إليه بهذا الشأن من خلال دراسة وتدوين ومطابقة المعطيات الأنتروبولوجية الخاصة بالرفات مع المعطيات الخاصة بالضحية قبل وفاته، أو من خلال إجراء تحاليل الحمض النووي. وقد سهل إشراك النيابة العامة في عملية التأكد من هويات القبور عمليات استخراج الرفات والاستعانة بالخبرة العلمية في مجالات الطب الشرعي والتحليل الجيني، حيث ساهم أطباء مصلحة الطب الشرعي بالمستشفى الجامعي ابن رشد بالدارالبيضاء وخبراء المختبريين الوطنيين للدرك الملكي والشرطة العلمية بطريقة مهنية وحس وطني عال في تحقيق نتائج جد مهمة في هذا المضمار.
كما قامت اللجنة، في بعض الحالات المعقدة التي تطلبت منها زيادة على تطوير المنهجية، مرافقة العائلات المعنية إلى أماكن الاحتجاز واستخراج الرفات بحضورها، وإحضار من قام بالدفن شخصيا أمام العائلة لتقديم شهادته.
كما تم إعداد تقارير فردية موجزة عن التحريات بخصوص الحالات المصنفة على وجه العموم ضمن الاختفاء القسري ومجهولي المصير.
وقد مكن كل ذلك من التوصل إلى نتائج هامة تجاوزت الأهداف المحددة، بل حققت أهدافا إضافية من قبيل ترسيخ ثقة العائلات واقتناعها بالمجهودات المبذولة للكشف عن الحقيقة، وتحسيس مسؤولين شباب في مصالح مختلفة تابعة لأجهزة الدولة، إبان عمليات استخراج الرفات. كما أن إشراك الخبراء المغاربة في مجالات الطب الشرعي والتحليل الجيني أبان عن أهمية اعتماد وتطوير هذين العنصرين في مجال البحث عن الحقيقة.
كما تم الكشف عن مجموعة من الخصاصات في مجالي الطب الشرعي والتحليل الجيني، على مستوى البنيات والقدرات البشرية والإمكانيات المادية والوسائل اللوجستيكية، ليس فقط فيما يخص الحالات المرتبطة بالماضي، ولكن بخصوص دور الطب الشرعي والخبرة العلمية بشكل عام في التحقيق والتحري للنهوض بدورهما في تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة.
أ- الاتصال والتواصل مع الأطراف المعنية بالتحريات
•الاتصال بالسلطات العمومية
أجرت اللجنة اتصالات عديدة ومتواصلة مع السلطات العمومية، وخاصة مع وزارة العدل وممثلي الأجهزة الأمنية حيث مكنت هذه الاتصالات من:
-الاستماع أو إعادة الاستماع لعدد من المسؤولين والحراس السابقين بأماكن الاعتقال السري والاحتجاز والقيمين على المقابر
وحفار القبور وغيرهم؛
-الحصول على معلومات دقيقة تهم أماكن دفن ضحايا تأكدت وفاتهم أثناء الإعتقال التعسفي، في مراكز تعرفت الهيئة على معظمها وتأكدت من تاريخ وفاة البعض منهم دون أن تتعرف بدقة على قبور معظمهم؛
-الاستماع للحراس السابقين بمعتقل تازمامارت قصد معرفة المنهجية المتبعة في دفن الضحايا بالساحة المجاورة للمعتقل؛
-الاستفسار حول بعض ما ورد في أجوبة السلطات بخصوص بعض الحالات العالقة التي صنفها التقرير الختامي لهيئة
الإنصاف والمصالحة ضمن 66 حالة (مجهولو المصير).
•إشراك عائلات الضحايا وممثليهم
عمدت لجنة المتابعة فور تشكيلها إلى إنشاء بنية إدارية خاصة باستقبال عائلات الأشخاص مجهولي المصير وعائلات الضحايا الذين تأكدت وفاتهم خلال الأحداث الاجتماعية أو أثناء الاحتجاز. وتم الحرص على إبلاغ العائلات بنتائج وخلاصات التحريات المجراة، والتشاور معها في إطار من الشفافية والمشاركة في تدبير المواقف، وإشعارها بالخطوات المزمع إتباعها قبل إغلاق الملف. كما قامت اللجنة بزيارة البعض من العائلات بمقرات سكناها وعقد اجتماعات معها أو مع الجمعيات الممثلة لها بمقر المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان قصد التداول في الخطوات والاقتراحات التي تتقدم بها العائلات.
ب- زيارة المدافن
نظمت اللجنة زيارات منتظمة للمدافن المؤكدة أو المحتملة التي اشتغلت عليها هيئة الإنصاف والمصالح من أجل تأكيد ما توصلت إليه الهيئة أو لمزيد من التحقق من دفن أشخاص بها ثبتت وفاتهم دون أن يتبين مصير جثامينهم، إما بسبب الملابسات المحيطة بوفاتهم وظروفها أو لأن السلطات سحبت الجثث إلى وجهة مجهولة أو احتفظت بها وامتنعت عن تسليمها لذويها. وقد شملت هذه الزيارت:
-مقبرة يعقوب المنصور بالرباط لاحتمال دفن الضحية عبد اللطيف زروال بها بعد توصل اللجنة إلى عدة معلومات وقرائن بهذا الخصوص؛
-مقبرتي أبي بكر بن العربي و باب الكيسة بفاس من أجل معاينة وضع الشاهدات على قبور ضحايا أحداث 14 دجنبر 1990 والتحقق من عدد المتوفين خلالها وحصر لائحتهم؛
-الثكنة السابقة بقصر تزمامارت، قصد معاينة إخلاء الثكنة، والتأكد من المنهجية المتبعة في دفن الضحايا.
ج- استخراج رفات بعض المتوفين وأخذ عينات من العظام
قامت هيئة الإنصاف والمصالحة في إطار المهام الموكولة إليها، بتحديد أماكن دفن الضحايا الذين أثبتت التحريات وفاتهم، وواصلت اللجنة المكلفة بمتابعة أعمال التحريات، بالنسبة للحالات التي لم يتم فيها بعد تحديد مكان الدفن أوالتي لم يتأت فيها معرفة هوية أصحابها، العمل من أجل ذلك.
وقد وجدت اللجنة نفسها، وهي تباشر أعمال التحريات، أمام مجموعات من القبور يصعب فرز هويات الأشخاص المدفونين فيها عن بعضهم البعض بالرغم من حصر عددهم و ثبوت هوياتهم وانتسابهم إلى نفس المجموعة، فكان لابد من إتباع تقنيات أخذ العينات وإجراء تحليلات الحمض النووي عليها ومقارنتها مع العناصر الجينية للأقارب، بما يقتضيه ذلك من إخراج الجثة من القبر وإعادة دفنها بعد أخذ نماذج معيارية من العينات.
وقد اعتمدت اللجنة الخبرة العلمية للتأكد مما توصلت إليه التحريات من نتائج تهم تحديد الهوية، بخصوص الحالات التي أصرت فيها العائلات على ذلك.
كما حرصت على إشراك العائلات في القرار وفي عمليات استخراج الرفات وأخذ العينات وإعادة الدفن وعلى مراعاة حرمة المدافن والموتى واحترام الشعائر الدينية الإسلامية المرعية في هذا النطاق.
في هذا الإطار أشرفت لجنة المتابعة، إلى جانب النيابة العامة ومصالح الطب الشرعي، على استخراج رفات العديد من المتوفين من أجل دراسة المعطيات الأنتروبولوجية الخاصة بالعظام ومقارنتها بالمعطيات الخاصة بالمتوفى قبل وفاته، والقيام بتحليل الحمض النووي على عينات من العظام والأسنان، متى تطلب الأمر ذلك. وقد تم اللجوء إلى هذه الإجراءات وفق المقتضيات القانونية والإجراءات المسطرية، بحضور ممثلي السلطات الإقليمية والمحلية ومسؤولي الأمن والدرك ومسؤولي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وموظفي الوقاية المدنية.